Jumat, Oktober 31, 2008

سيـدي أبـو الحســن الشــاذلي

سيـدي أبـو الحســن الشــاذلي

نسبه الشريف رضي الله عنه
على ما ذكره تاج الدين سيدي أحمد بن عطا الله السكندري رحمه الله تعالى في لطائف المنن فهو أبو الحسن على بن عبد الله بن عبد الجبار ابن تميم بن هرمز بن حاتم ابن قصي بن يوسف بن يوشع بن وزد بن بطال بن أحمد بن محمد بن عيسى بن محمد ابن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. عرف بالشاذلي منشأه بالمغرب الأقصى ومبدأ أمره بشاذلة بلدة على القرب من تونس وإليها ينسب).
وأما على ما ذكره إبن عياد في المفاخر العلية في المآثر الشاذلية قال: فهو الأستاذ الشريف السيد الحبيب النسيب إلى الحبيب المقصد، لمن له يقصد، الملئ بالعلوم الربانية والأسرار اللدنية الذي هو منها ممتلئ سيدي أبو الحسن الشاذلي الحسني بن عبد الله بن عبد الجبار بن تميم بن هرمز بن حاتم بن قصي بن يوسف بن يوشع بن وزد بن أبي بطال على بن أحمد بن محمد بن عيسى بن إدريس بن عمر بن إدريس المبايع له ببلاد المغرب ابن عبد الله بن الحسن المثنى بن سيد شباب أهل الجنة سبط خير البرية أبي محمد الحسن بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وابن فاطمة الزهراء بنت رسول صلى الله عليه وسلم. وهذا هو النسب الصحيح لسيدي أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه صاحب الطريق ومظهر لواء التحقيق.
ولادته رضي الله عنه
ولد في نحو ثلاث وتسعين وخمسمائة من الهجرة بقرية من قرى غمارة من إفريقيا قريبة من سبة وهي من المغرب الأقصى ونشأ بها واشتغل بالعلوم الشرعية حتى أتقنها.
صفته رضي الله عنه
آدم اللون نحيف الجسم طويل القامة خفيف العارضين طويل أصابع اليدين كأنه حجازي وكأنه فصيح اللسان عذب الكلام.
مبدأ أمره رضي الله عنه
قال رضي الله عنه: كنت في ابتداء أمري أطلب الكيمياء وأسال الله فيها فقيل لي: الكيمياء في بولك. أجعل فيه ما شئت يعد كما شئت. فحميت فأسا ثم طفيته في بولي فعاد ذهبا فرجعت إلى شاهد عقلي فقلت: يا رب سألتك عن شئ ولم أصل إليه إلا بالقذارة ومحاولة النجاسة. فقيل لي: يا علي الدنيا قذرة فإن أردت القذارة فلن تصل إليها إلا بالقذارة. فقلت: يا ربي أقلني منها فقيل لي: أحم الفأس يعد حديداً.
وذكر تاج الدين سيدي أحمد بن عطا الله في لطائف المنن إنَّ الشيخ أبا الحسن رضي الله عنه قال: كنت في مبدأ أمري قد حصل لي تردد هل ألزم البراري والقفار للتفرُّغ للطاعة والأذكار أم أرجع للمدائن والديار، لصحبة العلماء والأخيار، فوصف لي وليٌّ برأس جبل، فصعدت إليه فما وصلت إليه إلا ليلا فقلت في نفسي: لا أدخل عليه في هذا الوقت فسمعته يقول من داخل المغارة: اللهم إن قوما سألوك أن تسخر لهم خلقك فسخرت لهم خلقك فرضوا منك بذلك، اللهم إني أسألك اعوجاج الخلق علي حتى لا يكون لي ملجأ إلا إليك. فالتفت إلى نفسي فقلت: يا نفسي انظري من أين يغترف هذا الشيخ. فلما أصبحت دخلت عليه فقلت: يا سيدي كيف حالك؟ فقال: أشكو إلى الله شكواي من حرِّ الاختيار. فقلت يا سيدي: أما شكواي من حرِّ الاختيار والتدبير فقد ذقته وأنا الآن فيه وأما شكواك من برد الرضا والتسليم فلماذا؟ قال: أخاف أن تشغلني حلاوتها عن الله تعالى. قلت: يا سيدي سمعتك البارحة تقول: اللهم سألوك أن تسخر لهم خلقك فسخرت لهم خلقك فرضوا منك بذلك اللهم إني أسألك اعوجاج الخلق علي حتى لا يكون لي ملجأ إلا إليك فتبسم ثم قال: يا بني عوض ما تقول سخر لي قل يا رب كن لي. أترى إذا كان لك يفوتك شيء؟. أ.هـ.
ثم أخذ في السياحة. قال رضي الله عنه: وفي بعض سياحاتي جعت ثلاثين يوما فخطر لي أن قد حصل لي من هذا الأمر شيء، وإذا بامرأة خارجة من مغارة كأن وجهها الشمس حسناً وهي تقول: منحوس. منحوس جاع مرة ثلاثين يوما فأخذ يُدلُّ على الله بعمله، ولي ستة أشهر لم أذق طعاما.
وقال رضي الله عنه: نمتُ ليلة على رابية من الأرض فجاءت السباع فطافت بي وأقامت إلى الصباح، فما وجدت أنسا كأنسي الذي وجدته تلك الليلة فلما أصبحت خطر لي أنه حصل لي من مقام الأنس بالله شيء، فهبطت واديا وكان هناك طيور حجل لم أرها، فلما أحست بي طارت فخفق قلبي رعبا فإذا النداء يقول: يا من كان البارحة يأنس بالسباع مالك اليوم توجل من خفقان الحجل ولكنك البارحة كنت بنا والآن أنت بنفسك.
وقال رضي الله عنه: كنت أويت إلى مغارة فمكثت ثلاثة أيام لم أذق طعاما ثم دخل علىَّ أناسٌ من الروم، كانت قد رستْ مراكبهم هناك فلما رأوني قالوا: قسيس من المسلمين ووضعوا عندي طعاما وشرابا فعجبت كيف رزقت على أيدي الكافرين ومنعت من ذلك المسلمين. فإذا بالنداء يقول: ليس الرجل من ينصر بأحبابه، إنما الرجل من ينصر بأعدائه.
وفي المفاخر ما ملخصه قال الشيخ رضي الله عنه: دخلت مدينة تونس وأنا شاب صغير فوجدت بها مجاعة شديدة ووجدت الناس في الأسواق فقلت في نفسي لو كان عندي ما أشتري به خبزاً لهؤلاء الجياع لفعلت. فألقي في سرى: خذ ما في جيبك فحركت جيبي فإذا فيه دراهم فأتيت إلى خباز بباب المنابرة فقلت له: أعدَّ خبزك. فأَعدَّه فتناولته للناس فتناهبوه ثم أخرجت الدراهم فناولتها الخباز فقال: هذه زائفة وأنتم معاشر المغاربة تستعملون الكيمياء. قال: فأعطيته برنسي وعمامتى من على رأسي رهنا في ثمن الخبز وتوجهت إلى جهة الباب، فإذا برجل واقف عند الباب فقال: يا علي أين الدراهم. فأعطيتها له فهزها في يده وردها إلي وقال: إدفعها إلى الخباز. وأعطيتها له فقال: نعم هذه طيبة ورد لي البرنس وعمامتى ثم طلبت الرجل فلم أجده فبقيت متحيَّرا في نفسي، إلى أن دخلت الجامع يوم الجمعة وجلست عند المقصورة في الركن الشرقي وأدَّيت تحيَّة المسجد وسلَّمت وإذا بالرجل عن يميني فسلَّمت عليه فتبسَّم وقال لي: يا علي أنت تقول لو كان عندي ما أطعم به هؤلاء الجياع لفعلت، تتكرم على الله ا لكريم في خلقه ولو شاء لأشبعهم وهو أعلم بمصالحهم. فقلت له: من أنت يا سيدي؟ قال: أنا أحمد الخضر. كنت بالصين وقيل لي: أدرك وليي عليَّاً بتونس. فأتيت مبادراً إليك فلما صلَّيت الجمعة نظرت إليه فلم أجده. إلى أن قال: ثم انتقل رضي الله عنه إلى بلاد المشرق وحج مراتٍ كثيرة ودخل العراق.
وقال رضي الله عنه: لما دخلت العراق اجتمعت بالشيخ الصالح أبي الفتح الواسطي فما رأيت بالعراق مثله وكنت أطلب القطب فقال: تطلب القطب بالعراق وهو في بلادك. ارجع إلى بلادك تجده. فرجعت إلى المغرب واجتمعت بأستاذي العارف الصديق القطب الغوث أبي محمد عبد السلام بن بشيش الشريف الحسني رضي الله عنه.
ذكر اجتماعه بشيخه سيدي عبد السلام بن بشيش
قال رضي الله عنه: لما قدمت عليه وهو ساكن مغارة برباطة في رأس الجبل اغتسلت في عين بأسفله وخرجت عن علمي وعملي وطلعت إليه فقيرا وإذا به هابط علي فلما رآني قال: مرحبا بعلي بن عبد الله بن عبد الجبار وذكر لي نسبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال لي: يا علي طلعت إلينا فقيرا عن علمك وعملك أخذت منا غني الدنيا والآخرة.فأخذني منه الدهش فأقمت عنده أياما إلى أن فتح الله بصيرتي ورأيت خرق عادات من كرامات وغيرها.
وجاء في لطائف المنن قال الشيخ رضي الله عنه: كنت يوما بين يدي الأستاذ فقلت في نفسي: ليت شعري هل يعلم الشيخ إسم الله الأعظم؟. فقال ولد الشيخ ـ وهو في آخر المكان الذي أنا فيه ـ: يا أبا الحسن ليس الشأن من يعلم إسم الله الأعظم إنما الشأن من يكون هو عين الإسم الأعظم. فقال الشيخ: أصاب وتفرَّس فيك ولدي.
ذكر تسميته بالشاذلي
ذكر في المفاخر ما ملخصه قال رضي الله عنه: لما صحبت أستاذي سيدي عبد السلام بن بشيش قال لي: يا علي إرتحل إلى أفريقيا وأسكن بها بلدا تسمى شاذلة فإن الله يسميك بالشاذلي وبعد ذلك تنتقل إلى بلاد تونس ويؤتي عليك بها من قبل السلطنة وتنتقل إلى بلاد المشرق وترث فيها القطبانية فقلت له: يا سيدي أوصني. فقال الله. الله. والناس تنزه لسانك عن ذكرهم وقلبك عن التمايل من قبلهم وعليك بحفظ الجوارح وأداء الفروض وقد تمت ولاية الله عليك ولا تذكرهم إلا بواجب حق الله عليك وقد تم ورعك وقال: اللهم أرحني من ذكرهم إلا بواجب حق الله عليك وقد تم ورعك وقل: اللهم أرحني من ذكرهم ومن العوارض من قبلهم ونجني من شرهم وأغنني بخيرك عن خيرهم وتولَّني بالخصوصية من بينهم إنك على كل شيء قدير. أقول وشاذلة بكسر الذال المهملة أو الذال كما ضبطه صاحب القاموس. ولفظه شاذل كصاحب على وزن فاعل. إلى أن قال: وهي قرية بالمغرب وهي بالذال فيها السيد أبو الحسن الشاذلي أستاذ الطريقة الشاذليَّة من صوفية الأسكندرية وفيهم يقول بن عطا الله:
تمسَّك بحب الشاذليـة تلق ما تـروم فحـقِّقْ ذاك منـهـم وحَصِّلِ
ولا تعدُ عيناك عنهم فإنَّهــم شمـوسُ هـدىً في أَعيُنِ المُتَأمِّلِ
وقال رضي الله عنه: قلت: يا ربِّ لم سمَّيتني بالشاذلي ولست بشاذلي. فقيل: يا عليُّ ما سميتك بالشاذلي إنما أنت الشاذُّ لي بتشديد الذال المعجمة يعني المفرد لخدمتي ومحبتي.
ذكر مشايخه وسنده في الطريقة
ذكر سيدي عبد الوهاب الشعراني في طبقاته صحب نجم الدين الأصفهاني وابن بشيش وغيرهما وذكر سيدي أحمد بن عطا الله في لطائف المنن قال: وطريقه رضي الله عنه نسب إلى الشيخ عبد السلام بن بشيش والشيخ عبد السلام بن بشيش ينسب إلى الشيخ عبد الرحمن المدني ثم واحداً عن واحد إلى الحسن بن علي بن أبي طالب.
قال سيدي الإمام الشعراني في كتابه الطبقات أنه رضي الله عنه سئل ذات مرة: من شيخك؟. فقال كنت أنتسب إلى الشيخ عبد السلام بن بشيش وأنا الآن لا أنتسب إلى أحد. بل أعوم في عشرة أبحر: محمد وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وجبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل والروح الأكبر.
ذكر سياحته إلى شاذلة
قال الشيخ الصالح أبو الحسن علي الأبريقي المعروف بالحطاب: قلت يوماً لسيدي أبي محمد عبد الله الحبيبي، أخبرني عن بعض ما رأيت في سيدي أبي الحسن، قال: رأيت منه أشياء كثيرة وسأحدثكم ببعض ذلك أقمت معه في جبل الزعفران أربعين يوما أفطر على العشب وورق الدقلة حتى تقرَّحت أشداقي. فقال لي: يا عبد الله كأنك اشتهيت الطعام. فقلت له: يا سيدي نظري إليك يغنيني عنه. فقال: غدا إن شاء الله وتلقانا في الطريق كرامة. فهبطنا إلى شاذلة فلما صرنا في وطأ الأرض قال لي: يا عبد الله إذا خرجت عن الطريق فلا تتبعني. قال: فأصابه حال عظيم وخرج عن الطريق حتى بعد عني فرأيت طيوراً أربعة نزلت من السماء فصاروا على رأسه صفا ثم جاء إليه كل واحد منهم ورأيت معهم طيورا على قدر الفراريج وهم يحفون به من الأرض إلى عنان السماء ويطوفون حوله ثم غابوا عني ثم رجع إلي وقال: يا عبد الله هل رأيت شيئاً؟ قلت: نعم وأخبرته بما رأيت. فقال لي: أما الطيور الأربعة فهم ملائكة السماء الرابعة أتوا إلينا ليسألوا عن علم فأجبتهم وأما الطيور الصغار فهم أرواح الأولياء أتوا ليتبركوا بقدومنا. قال: ثم بعد ذلك رجعنا إلى الجبل بعد وصولنا إلى شاذلة وأقمنا به زمنا طويلا.
وأنبع الله عينا تجري بالماء العذب وله هناك مغارة كان يسكنها ثم قال الشيخ رضي الله عنه: قيل لي: يا علي أهبط إلى الناس ينتفعوا بك؟ فقلت: يا رب أقلني من الناس فلا طاقة لي بمخالطتهم. فقيل له: أنزل فقد أصحبناك السلامة ورفعنا عنك الملامة. فقلت: يا رب تكلني إلى الناس آكل من دريهماتهم. فقيل لي: أنفق يا علي وأنا الملئ إن شئت من الجيب وإن شئت من الغيب. قال: فرحل إلى تونس وسكن بمسجد البلاط داراً تفتح على القبلة وصحبه جماعة من الفضلاء فيهم الشيخ أبو الحسن علي بن مخلوف الثقلي وأبو عبد الله الصابوني وأبو محمد عبد العزيز الزيتوني وخديمه أبو العزايم ماضي ابن سلطان أبو عبد الله البجائي الخياط وأبو عبد الله الخارجي الخيَّاط وكل هؤلاء ملحوظون بمدده رضي الله عنهم.
وأقام بها مدة إلى أن اجتمع إليه خلق كثير فسمع به الفقيه أبو القاسم بن البراء قاضي الجماعة بتونس فأصابه منه حسد فقال للسلطان وهو الأمير أبو زكريا: إن هاهنا رجلا من أهل شاذلة يدعي الشرف وقد اجتمع إليه خلق كثير ويدَّعى أنه الفاطمي ويشوش عليك في بلادك. فجلبه السلطان وأمر بحضور جماعة من الفقهاء وابن البراء وجلس السلطان خلف حجاب يسمع سؤالهم للشيخ وجواب الشيخ لهم فسألوه أولا عن نسبه فأجابهم ثم تباحثوا معه في العلوم فوجدوه بحراً لا ساحل له فقال لهم السلطان: هذا رجل من أكابر الأولياء فدعوه. فقال ابن البراء والله لئن تركته ليدخلنَّ عليك أهلَ تونس ويُخرجنَّك من بين أظهرهم فخاف السلطان ولم يأذن للشيخ في الخروج فلما انتظره أصحابه ولم يخرج عليهم دخل عليه أحدهم وقال: والله لولا أني أتأدَّب مع الشرع لخرجتُ من هاهنا ومن هاهنا وأشار بيده فمهما أشار إلى جهة انشق الحائط. ثم قال له: ائتني بإبريقي وسجادتي. وقال لهم: مانصلِّي المغرب إلا معكم إن شاء الله فأتاه بذلك فتوضأ وصلى.
قال رضي الله عنه: فهممت بالدعاء على السلطان فقيل لي: إن الله لا يرضى لك أن تدعو بالجزع من مخلوق فألهمت أن أقول: يا من وسع كرسيُّهُ السموات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم. أسألك الإيمان بحفظك إيمانا يسكن به قلبي من همِّ الرزق وخوف الخلق وأقرب من بقدرتك قربا تمحق به عني كل حجاب محقته عن إبراهيم خليلك فلم يحتج لجبريل رسولك ولا لسؤاله منك وحجبته بذلك عن نار عدوه وكيف لا يحجب عن مضرَّة الأعداء من غيَّبْتَه عن منفعة الأحياء كلا إني أسألك أن تعينني بقربك مني حتى لا أرى ولا أسمع ولا أحس بقرب شيء ولا يبعده عني إنك على كل شيء قدير.
ففي تلك الساعة امتحن اللهُ السلطانَ ببلاء عظيم وخرج الشيخ إلى أصحابه بغاية المسرة والتعظيم فأقام أياما بعد ذلك ثم توَّجه إلى المشرق، فندم السلطان على فعله وعاتب ابن البراء لأجله واستسمح الشيخ فسامحه ووعده بالرجوع إلى تونس بعد أن يحج.
وقال سيدي عبد الوهاب الشعراني رحمه الله تعالى في طبقاته: بلغنا أن الشيخ الكامل أبا الحسن الشاذلي لما فنى اختياره مع الله مكث نحو ستة أشهر لا يتجرأ أن يسأل الله في حصول شيء ثم نودي في سره اسألنا عبودية لا ترجيح فيها للعطاء عن المنع. قال فرجوت الله وسألته امتثالا لا تحجيرا عليه فإنه يخلق ما يشاء ويختار وليس معه اختيار.
معاصروه وتلامذته
لقد عاصر سيدي أبا الحسن عدد كبير من العلماء والفقهاء الذين كانوا تلاميذ له أيضاً يحضرون درسه ويمشون بين يديه من هؤلاء
1 - ابن الحاجب فقيه مالكي واسمه عثمان بن عمر نشأ بالقاهرة وسكن دمشق وتوفي بالإسكندرية عام 646 هـ
2 - العز ابن عبد السلام سلطان العلماء الفقيه الشافعي الذي بلغ رتبة الاجتهاد نشأ في دمشق ونقم على حاكمها فخرج منها قاصداً مصر لتجمعه الأقدار مع قطب الزمان سيدي أبي الحسن رضي الله عنه الذي لما سمع كلامه خرج من مجلسه قائلاً اسمعوا هذا الكلام الغريب القريب العهد بالله توفي رحمه الله بالقاهرة
3 - ابن دقيق العيد الذي انتهت إليه رئاسة الفتوى في المذهب الشافعي توفي بالقاهرة وقبره هناك
4 - عبد العظيم المنذري الحافظ الكبير الذي تولى مشيخة دار الحديث في القاهرة صاحب كتاب الترغيب والترهيب توفي بالقاهرة عام 656
5 - ابن الصلاح عثمان ابن عبد الرحمن أحد الفضلاء المقدمين في التفسير والحديث والفقه صاحب كتاب أنواع علم الحديث الذي عرف بمقدمة ابن الصلاح
وأما تلاميذه الذين سلكوا على يديه فأكثر من أن يحصوا فلقد هوت أفئدة أهل مصر إليه وكان له عدة تلاميذ حملوا عنه الدعوة إلى الدين من هؤلاء :
سيدي أبو العباس المرسي صاحب سره رضي الله عنه دفين الإسكندرية ذو الحال العجيب والوجه الصبوح الذي باهى به شيخه سيدي أبو الحسن الشاذلي عليكم بأبي العباس يأتي إليه الأعرابي يبول على ساقيه فيخرج من عنده عارفاً بالله توفي سنة686 ولو لم يوجد غيره لكفى
أقواله
عليك بالاستغفار ولو لم يكن هنالك ذنب فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يستغفر الله وهو المعصوم عن الخطأ فما ظنك بمن لا يخلو عن العيب والذنب
إذا عارض كشفك الكتاب والسنة فتمسك بالكتاب والسنة ودع الكشف فإن الله عز وجل قد ضمن لي العصمة في الكتاب والسنة ولم يضمنها لي في الكشف ولا ينبغي العمل بالكشف إلا بعد عرضه على الكتاب والسنة
إذا عرض لك عارض يصدك عن الله فاثبت
إذا كثرت عليك الوساوس فقل سبحان الملك الخلاق{ إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز } .
لا تجد الروح والمدد ولا يصح لك مقام الرجال حتى لا يبقى في قلبك تعلق بعلمك ولا جدك ولا اجتهادك وتيأّس من الكل دون الله عز وجل .
لا تشم رائحة الولاية وأنت غير زاهد في الدنيا وأهلها
أسباب القبض ثلاثة ذنب أحدثته أو دنيا ذهبت عنك أو شخص يؤذيك في نفسك أو عرضك
من دلك على المعبود فقد أراحك ومن دلك على العبادة فقد أتعبك والشيخ من دلك على الراحة لا من دلك على التعب
من أراد عز الدارين فليدخل في مذهبنا يومين فقال له قائل كيف لي بذلك قال فرّق الأصنام من قلبك وأرح من الدنيا بدنك ثم كن كيف شئت فإن الله لا يعذب العبد على مد رجليه مع استصحاب التواضع للاستراحة من التعب إنما يعذبه على تعب يصحبه التكبر
من لم يزدد بعلمه وعمله افتقاراً إلى الله وتواضعاً لخلقه فهو هالك
إن كنت مؤمناً موقناً فاتخذ الكل عدواً كما قال إبراهيم عليه السلام { فإنهم عدو لي إلا رب العالمين }.
الصادق الموقن لو كذبه أهل الأرض لم يزدد بذلك إلا تمكيناً
لا تركن إلى علم ولا مدد وكن بالله واحذر أن تنشر علمك ليصدقك الناس وانشر علمك ليصدقك الله تعالى
العلوم على القلوب كالدراهم والدنانير في الأيدي إن شاء الله تعالى نفعك بها وإن شاء ضرك
مريد واحد يصلح أن يكون محلاً لوضع أسرارك خير من ألف مريد لا يكونون محلاً لوضع أسرارك
من ادعى فتح عين قلبه وهو يتصنّع بطاعة الله تعالى أو يطمع فيما أيدي خلق الله فهو كاذب
التصوف تدريب النفس على العبودية وردها لأحكام الربوبية
أبى المحققون أن يشهدوا غير الله تعالى لما حققهم به من شهود القيومية وإحاطة الديمومية
لن يصل العبد إلى الله وبقي معه شهوة من شهواته ولا مشيئة من مشيآته
إن من أشقى الناس من يحب أن يعامله بكل ما يريد وهو لا يجد من نفسه بعض ما يريد وطالب نفسك بإكرامك لهم ولا تطالبهم بإكرامهم لك { لا تكلف إلا نفسك }
إن أردت أن تكون مرتبطاً بالحق فتبرأ من نفسك واخرج عن حولك وقوتك
أربع لا ينفع معهم علم حب الدنيا ونسيان الآخرة وخوف الفقر و وخوف الناس
لا تسرف بترك الدنيا فيغشاك ظلمتها وتنحل أعضاؤك لها فترجع لمعانقتها بعد الخروج منها بالهمة أو بالفكرة أو بالإرادة أو بالحركة
خصلتان إذا فعلها العبد صار إمام الناس من أهل عصره الإعراض عن الدنيا واحتمال الأذى من أهلها
خصلة واحدة تحبط الأعمال لا ينتبه لها كثير من الناس وهي سخط العبد على قضاء الله تعالى { ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم }
كل حسنة لا تثمر نوراً أو علماً في الوقت فلا تعدلها أجر وكل سيئة أثمرت خوفاً من الله تعالى ورجوعاً إليه فلا تعد لها وزراً
حسنتان لا يضر معهما كثرة الذنوب الرضا بقضاء الله والصفح عن عباد الله
من اعترض على أحوال الرجال فلا بد أن يموت قبل أجله ثلاث ميتات أخر موت بالذل وموت بالفقر وموت بالحاجة إلى الناس ثم لا يجد من يرحمه منهم
سألت الله أن يجعل القطب من طريقتي فإذا النداء : يا علي قد استجبنا لك
كان رضي الله عنه يقول:إذا عرضت لك حاجة فأقسم على الله بي
لا يكمل عالم في مقام العلم حتى يبتلى بأربع : شماتة الأعداء وملامة الأصدقاء وطعن الجهال وحسد العلماء , فإن صبر جعله الله إماماً يقتدى به
* كلامه رضي الله عنه كثير وعال وكبير تركناه مخافة التطويل والله الموفق.
كتبه
ليس لسيدي أبي الحسن الشاذلي أية كتب لكن لديه مقولة مشهورة عندما سأله أحد الناس هل لديك كتب فقال سيدي أبي الحسن رضي الله عنه { كتبي أصحابي }
أقوال العلماء فيه
أخبر مكين الدين الأسمر سيدنا ابن عطاء الله السكندري ما ذكره في كتابه ( لطائف المنن ) الذي دونه في سيرة سيدي أبي الحسن وتلميذه سيدي أبي العباس المرسي قال : حضرت بالمنصورة في خيمة فيها الشيخ عز الدين بن عبد السلام والشيخ محي الدين بن سراقة والشيخ محمي الدين الأخيمي والشيخ أبو الحسن الشاذلي ورسالة القشيري تقرأ عليهم وهم يتكلمون والشيخ أبو الحسن صامت إلى أن فرغ كلامهم .
فقال الأسمر يا سيدي نريد أن نسمع منك فقال أنتم سادات الوقت وكبراؤه وقد تكلمتم فقالوا لا بد أن نسمع منك قال فسكت الشيخ ساعة ثم تكلم بالأسرار العجيبة والعلوم الجليلة فقام الشيخ عز الدين بن عبد السلام وخرج من صدر الخيمة وفارق موضعه وقال اسمعوا هذا الكلام الغريب القريب العهد من الله
وقال مكين الدين الأسمر أيضاً الناس يدعون إلى باب الله عز وجل وأبو الحسن رضي الله عنه يدخلهم على الله
قال وارث سره سيدي أبو العباس المرسي رضي الله عنه لقد صحبت رأساً من رؤوس الصديقين وأخذت عنه سراً لا ينال إلا لواحد بعد واحد وإليه أنتسب وبه أفتخر إنه سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه
قال تقي الدين بن دقيق العيد ما رأيت أعرف بالله من الشيخ أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه
قال الشيخ أبو عبد الله الشاطبي كنت أترضى على الشيخ في كل ليلة كذا وكذا مرة وأسأل الله به في جميع حوائجي فأجد القبول في ذلك معجلاً فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت له يا رسول الله إني أترضى على الشيخ أبي الحسن في كل ليلة وأسأل الله به في حوائجي أفترى عليّ في ذلك شيئاً فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو الحسن ولدي حس ومعنى والولد جزء من الوالد فمن تمسك بالجزء فقد تمسك بالكل وإذا سألت الله بأبي الحسن فقد سألته بي
ولسره العجيب وحاله المهيب كان يحضر مجلسه أكابر العلماء في عصره كابن الحاجب المالكي وابن عبد السلام عز الدين سلطان العلماء وابن دقيق العيد الفقيه الشافعي وعبد العظيم المنذري صاحب كتاب الترغيب والترهيب وابن الصلاح المحدث المعروف وابن عصفور حامل لواء العربية في الأندلس فكانوا يحضرون درسه في المدرسة الكاملية في القاهرة ويمشون بين يديه إذا خرج
حجه ووفاته
توفي سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه بصحراء عيذاب بمصر في طريقه للحج سنة ست وخمسين وستمائة ولا يزالضريحه موجوداً إلى الآن وقد جدد بناؤه مع غرف للزوار في هذا العصر على يد بعض المصريين تغمده الله بواسع مغفرته وأدخله فسيح جناته وجعلنا من السائرين على نهجه والملتزمين بطريقته و الحمد لله رب العالمين
المراجع
المطرب في مشاهير أولياء المغرب للشيخ عبد الله التليدي
طبقات الشاذلية الكبرى للشيخ الحسن بن محمد الكوهن الفاسي المغربي الشاذلي




Tidak ada komentar: